وكالة أنباء الكتاب الإيرانية "إيبنا": يقول الكاتب "سيد علي كاشفي خوانساري": قبل أيام عقدت إحدی المؤسسات البحوثية ندوة بحضور جمع من الناشرين تحت عنوان "مشروع السيمرغ"، ناقشت قضايا رئيسية مثيرة حول المشاكل التی تعاني منها صناعة النشر في إيران....

ويؤكد المشروع علی تمرير كافة نسخ الكتب التي تصدرها دور النشر الأعضاء في المشروع، وفي حال تواصل القرّاء مع هذه الشبكة لتوجيه أسئلة أو إقامة علاقات معها، سيحصلون علی خدمات مختلفة وحديثة تُقدّم لهم في سياق تنمية السوق وإصلاح هيكلية التسويق وزيادة حجم نشر الكتب.

الخدمات المتنوعة التي من المقرر أن تقدّمها "شبكة السيمرغ" ترتكز علی تحديث المعلومات الواردة إليها ومعالجتها وتنظيم نظام التواصل مع الزبائن والعملاء 
"CRM" وتقييم رضاهم أي القرّاء (CSM). ويتضمن هذا المشروع خدمات تقدّم تحليلات إحصائية وجداول ورسوم بيانية وإرسال رسائل الشكر والعرفان والإستطلاع، ونادي الأعضاء، والإعلان عن الكتب الجديدة، والمقارنة مع إنتاجات المتنافسين، وقائمة الزبائن الاوفیاء، وتقييم الحاجات المطلوبة، والمسابقة، والقرعة، ورحلات تفريحية، وإستضافات عائلية، و...الخ.

وترتكز مشاريع كهذا علی توظيف العلوم الحديثة في العالم تحقيقاً لجعل صناعة النشر أكثر مهنية ومطابقتها مع القواعد التجارية والسوقية والتسويقية، لذلك يتعين علينا توجيه الشكر لمنفذي هذه المشاريع ومسؤوليها.
مع ذلك، يبدو أن القائمين علی هذا المشروع ومنفذوه لم يقطعوا أشواطاً‌ كبيرة بسبب عدم معرفتهم الكافية بالنشر ومشاكله وخصوصياته في إيران لتحقيق أهدافهم وبرنامجهم مثل تذليل العقبات ورفع المشاكل في هذا المجال وإزالة هاجس بيع الكتب.

أذكر هنا أدلة وإثباتات لما قلته حول عدم فاعلية هذا المشروع ونضوجه:
1ـ حينما نناقش القضايا المتعلقة برغبات العملاء والكتب النظرية والمقالات التي تتناول أساليب التواصل مع الزبائن، يطرح سؤال نفسه حول هوية العملاء في سوق النشر خاصة في إيران؟ قرّاء الكتب أم بائعيها؟ الواقع يقول إن البائعين الرئيسیين لإنتاجات الناشرين هم أصحاب المكتبات وتجار التجزئة بإستثناء حالات مثل شراء الكتب المعينة وأخری يشتريها من يريد تقديم الإمتحان لدخول الجامعة. يؤكد الكثير علی أن كافة القضايا والمقترحات التي ترتكز علی تلبية رغبات العملاء، تعني فقط تجار التجزئة، وليس القرّاء، لأن معظمهم لا يعرفون شيئاً عن ناشر كتب يشترونها، وإسم دار النشر لا تؤثر كثيراً في إختيار القرّاء لكتبهم. فعلی سبيل المثال، حازت دار نشر "كانون" علی العلامة التجارية العالمية "Brand" فقط، بين 300 دار نشر نشيطة تصدر كتب الأطفال. 

2ـ ما هو الهدف النهائي لدور النشر؟ علامتها التجارية أو مئات كتب مختلفة لها قرّاء تتفاوت أذواقهم؟ الكثير يقول إن كل كتاب يصدر فهو إنتاج مستقل ومنفصل يتطلب تسويقاً خاصاً به. وتصدر دور النشر العامة كتباً متنوعة ومختلفة قرّاءها مختلفون تماماً،‌ بإستثناء ناشري الكتب الجامعية والمعينة، فعلی هذا الأساس،‌ فإن تشكيل نادي القرّاء لإصدارات ناشر، أصعب من تشكيل نادي لقرّاء أعمال كاتب يصدرها ناشرون مختلفون، أو نادي قرّاء كتب تتناول موضوعاً بعينه (مثل القصص البوليسية والكتب المسرحية وكتب الحيوانات الوحشية)، هذا ما نراه بشكل كبير في الشبكات العنكبوتية والإجتماعية علی الإنترنت. لذلك، فإن هذه المشاريع لا تناسب دور النشر العامة التي تصدر كتباً متنوعة بقدر ما تناسب ناشري الكتب الخاصة والمجموعات والدوريات والمجلات. والدليل الآخر هو وجود دور نشر قد يصل عدد النسخ المطبوعة لكتاب أو كتابين تصدرها إلی مليون نسخة، لكنها تفشل في بيع الطبعة الأولی لبعض كتبها. 

3ـ وزعم منفذو المشروع مرات عديدة في دعاياتهم أنهم سيحلون مشاكل الناشرين، بينما أن 90 بالمائة من مشاكل الناشرين ليس عدم معرفتهم بآراء قرّائهم ورضائهم، بل المشكلة هي عدم وصول الكتاب إلی قارئه، وبالأحری يظل معظم نسخ الكتب الصادرة في مخازن دور النشر، ولا تصل لأيدي القرّاء لكي يقيّموها أو يتعاطون معها، بالتالي لا نتمكن من الحفاظ علی قرّائنا وتحويلهم إلی مُبلّغين لكتبنا، ثم من الواضح أن الكودات الموجودة علی الكتب التي لم تخرج من المخازن لا تعود بفائدة لناشريها.

4ـ يُستحسن توظيف الإنجازات والمكاسب والتجارب التجارية المحققة في بقية المجالات الثقافية في حقل الكتاب، لكن علينا أن نعلم أنه لا يمكن تطبيق كافة الأساليب والضوابط المستخدمة في سوق تجاري في بقية الأسواق، والدليل علی ذلك أن أكبر دور النشر في العالم تفضّل لحد الآن التواصل مع عملائهم وقرّائهم عبر مواقعها الإلكترونية الخاصة وإرسال الرسائل القصيرة للحفاظ علی العلاقات العاطفية وإستطلاع آراء زبائنهم، دون استخدام نظام NGN العام وتوحيد المعلومات في شبكات عامة.

5ـ إحدی القضايا التي أكّد عليها القائمون علی مشروع "السيمرغ" في ندوتهم مراراً، هو الإعلان والإعلام الهادف والموجّه، مع ذلك، اتضح أنهم إستخدموا أساليب خاطئة وتقليدية للإعلان عن مشروعهم وتوزيع الأوراق الدعائية بين الناشرين. لذلك، فإن المشاركين في الندوة كانوا غير منسجمين وغير متماسكين، اذ كانوا من ناشري الكتب السوقية، وصولاً إلی الكتب التنويرية، ومن ناشري منطقة "ناصر خسرو" والمحافظات، وناشري شارعي انقلاب وكريمخان، وناشري الكتب الجامعية والمعينة والكتب الدينية وكتب الأطفال و....الخ. مجالات عمل هؤلاء الناشرين ليست واحدة فتختلف عن بعضها البعض، البعض يرتكز علی علامة دار نشر التجارية والآخرون لا يعيرون أهمية للعميل، البعض يركّز علی الإعلان التقليدي العام، وآخرون ينتهجون أساليب موجّهة لعملاء محدّدين و....

6ـ كذلك آلية إدارة الندوة أظهرت جهل القائمين علی المشروع بسوق النشر وشريحة الناشرين في إيران، مما دفعت المشاركين علی الإحتجاج علی طريقة إدارة الندوة وهيكليتها التعليمية وإختزالها في شعارات رنانة، مما دفع أكثر من نصف المشاركين لمغادرة الندوة قبل أن تنتهي.

ولو إنعقدت إجتماعات إستشارية مع بعض الناشرين المعروفين قبل عقد الندوة، لانتهجت مساراً صحيحاً يجذب ثقة المشاركين.

7ـ والقضية الأخری التي يجب الاهتمام بها في مثل هذه المشاريع هي تفاعل المخاطبين معها وترحيبهم بها، الحقيقة أنه بالرغم من توظيف کافة الأساليب المغرية مثل التخفيضات والقرعات و...الخ. فإن عدداً قليلاً من العملاء يستفيدون من هذه الأسواق، والأهم أنه لا يمکن تعميم آراء وسياسات أقلية ضئيلة علی جميع المخاطبين، وتثبت کافة إستطلاعات الرأي صحة هذه المسألة، مثل الإستطلاعات التي تجري عن البرامج التلفزيونية وغيرها، حيث تقول هذه الإستطلاعات أن مخاطبين لهم إذواق خاصة يرحبّون بهذه المشاريع فحسب دون غيرهم. 

حقيقة فقد القرّاء ثقتهم بمثل هذه المشاريع بسبب السياسات والسلوک الخاطئة التي يتبعها القائمون عليها، لذلک العموم ليس لديهم دافع قوي يدفعهم للمشارکة في هذه المشاريع.

8ـ والقضة الأخيرة والمهمة هي أن مشروع کهذا غيرقابل للتطبيق والتنفيذ اليوم في سوق النشر في إيران، وإن أردنا تطبيقه بتفاؤل کبير ودون العناية بما ذکر آنفاً، يستلزم ذلک إضافة علی الأقل صفحة واحدة في کل کتاب للتعريف بالمشروع وإمتيازات المشارکة فيه للقرّاء، إذن، أولاً لا يمکن تنفيذ هذا المشروع في مائة ألف کتاب في سوق النشر، وثانياً يرفض معظم الناشرين إدراج صفحة إعلانية لمشروع لا يعود لهم، لذلك لا يقومون بأي دعاية للآخرين وكتبهم. ومن جانب آخر، لا يوجد ضمان وتقدير واضح لنسبة ربحية هذا المشروع، وفي حال ربحيته، سيرفع الجهة المنفذة له تكاليف خدمات تقدّمها.

فمشروع كهذا الذي يبدو أنه لا يكلّف كثيراً في باديء الأمر بسبب التعريف بالعملاء المستهدفين وإستقطابهم، لكنه يكلّف الكثير من الناشرين، فعلی سبيل المثال، إن أصدر أي ناشر 20 كتاباً خلال السنة بمقدار 3 آلاف نسخة لكل كتاب عليه دفع ألفين دولار للترميز، والإشتراك في الخدمات، وإرسال الرسائل القصيرة، والبريد الإلكتروني و...الخ، ولا یعتبر هذا مجدياً لكثير من الناشرين.

وفي ظل الظروف الراهنة لسوق النشر بإيران، لا تنجح مثل هذه المشاريع إلا في حالة توفير تكاليف الخدمات من زيادة البيع، وليس فرضها علی الناشرين. 

علی أي حال، ما قلناه كان من باب الشكر وحرصنا علی المشروع، وليس من باب الإنتقاد والخبط. آمل أن يكسر منفذو هذه المشاريع الحواجز الآكاديمية، مستفيدين من آراء خبراء النشر والكتّاب والموزعين وأصحاب المكتبات قبل البدء بتنفيذها، لكي تُعد مشاريع ناضجة قابلة للتنفيذ وناجحة في صناعة النشر.